
The Muslim Council UK
۞إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِۚ﴾ النساء (58).
الخلع للمرض بأنواعه
- خلع المريض بدنيا أو نفسيا ومن به مرض العجز الجنسي - والمريض مرض الموت
المشاكل الاسرية بين الزوجين إذا كانت متعلقة بعيب في الزوج ينفِّر عن الاستمتاع الجنسي بينهما ، أو يحول دون مقصود النكاح من الرحمة والمودة كعدم قدرة على الوطء الجنسي الكامل أو مرض يحول دون تحقق الاستمتاع الجنسي، فالعلماء في الإسلام يعدون هذا من عيوب النكاح الموجبة للخيار أي : أن للزوجة الحق في فسخ عقد النكاح أو إبقائه ، ولا يحق له في حال مرض بهذا المرض أن يأخذ من زوجته شيئاً من المهر لأنها قد استحققت المهر بما استحل منها بينهما في السنوات الماضية .
وأما إن كان طلب الخلع لعقم في الرجل أي لا يولد له ، فإن هذا لا يعد عيباً يوجب الفسخ عند جماهير أهل العلم إلا في قولٍ للحسن البصري ومال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية .
والواجب على الزوج أن يبيِّن أمره للزوجة إذا كان يعلمه مسبقا لأن لها حقّاً في الولد كما له ، ولذلك مُنع الزوج من العزل – وهو الإنزال خارج الفرج - عن امرأته .
قال ابن قدامة – بعد أن عدَّد العيوب التي تجيز فسخ النكاح - :
ولا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا ، إلا أن الحسن قال : إذا وجد الآخر عقيماً يخيَّر .
وأحبَّ أحمد أن يتبيَّن أمره ، وقال : عسى امرأته تريد الولد وهذا في ابتداء النكاح ، فأما الفسخ فلا يثبت به ولو ثبت بذلك لثبت في الآيسة ؛ ولأن ذلك لا يعلم ، فإن رجالا لا يولد لأحدهم وهو شاب ، ثم يولد له وهو شيخ ، ولا يتحقق ذلك منهما .
وأما سائر العيوب فلا يثبت بها فسخ عندهم .
" المغني " ( 7 / 143 ) .
وعلى هذا فإن الزوجة إذا كانت لا تريد الصبر مع الزوج المريض بالعقم فإما أن يطلقها طلاقاً شرعيّاً ، أو تختلع منه ، بأن تتفقي معه على أن تدفعي له مبلغاً من المال أو تردين عليه المهر أو ما شابه ذلك ، مما يصح أن يكون عوضا في الخلع ، ثم يطلقها تطليقة واحدة ، وهذه التطليقة تحصل بها البينونة الصغرى ، فلا يحق له إرجاعها بعد ذلك في أثناء العدة ولا بعدها إلا بعقد جديد مستوفٍ للشروط .
والدليل على جواز الخلع ووقوعه قوله تعالى : الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ البقرة/229
ومن السنة ما رواه البخاري في صحيحه ( 4867 ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً " .
وقد أجمع العلماء على جواز الخلع إذا دعت إليه حاجة شرعية ، ولمعرفة هذه الحاجة .
على أننا ننصح الزوجة إذا كان الزوج مرضيُ الخلق والدين ، وكانت لا تخشى على نفسها من الوقوع في المحرم في حال استمرار الحياة الزوجية بينهما فإن الصبر والبقاء مع الزوج هو الأولى ، ولعل الله أن يرزقها منه بما تقر به عينه من البنين والبنات .
والله تعالى أعلم بالصواب .
ينظر " المغني " لابن قدامة ( 7 /246 ) ، " الموسوعة الفقهية " ( 19 / 238 ، 240 ) .
• المريض مرض الموت: هو من أضناه مرضٌ عجَز به عن إقامة مصالحه المعتادة خارج البي
ويلحق به من يترقب الموت؛ كمن حُكم عليه بالقتل وينتظر تنفيذ هذا الحُكم
• وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن خلع المريض مرضَ الموت صحيح ونافذٌ، قياسًا على طلاقه؛ لأنه لو طلق بغير عِوَض لجاز طلاقه، فلَأَنْ يجوز بعِوَض أَولى، ولأن الورثة لا يفوتهم بخلعه شيء.
• يقول ابن قدامة في المغني: (وأما خلعه زوجته، فلا إشكال في صحته، سواء كان بمهر مثلها أو أكثر أو أقل، ولا يعتبر من الثلث؛ لأنه لو طلق بغير عِوَض لصح؛ فلَأَنْ يصحَّ بعِوَض أَولى، ولأن الورثة لا يفوتهم بخلعه شيء)[2].
• ويقول ابن حزم: (وطلاق المريض كطلاق الصحيح ولا فرق، مات من ذلك المرض أم لم يمت منه)[3]،
مما يفهم منه أن الظاهرية يجيزون الخُلْع في مرض الموت، فلا فرقَ عندهم بين المريض والصحيح.
• أما المالكية، فلا يجيزون خلع المريض مرضَ الموت؛ لِما في ذلك من إخراج وارثٍ في مرض موته[4].
• وقد اختلف الفقهاء فيما إذا ما كانت الزَّوجة ترِثُ من زوجها المُخالع إذا مات في هذا المرض من عدمِه!
فذهب الفقهاء في ذلك مذهبين:
المذهب الأول:
ويرى أن الزَّوجة المختلِعة ترثُ زوجها إذا مات في مرض الموت الذي خالعها فيه، وسواء عندهم أن يموت وهي في العدة، أو إذا انتهت عدتُها، أو تزوجت غيره بعد العدة؛ إذ إنه طلقها في مرض موته، وهو ما يعرفه الفقهاء بأنه طلاق الفارِّ، أو طلاق الفرار؛ لأن فيه فرارًا من أن ترِثَه زوجته، فيرد عليه قصده، ويعامل بنقيض مقصوده، وهو مذهب المالكية، ورواية عند الحنابلة.
فعند المالكية: (ترثه زوجتُه المطلَّقة في المرض إن مات من مرضه الذي خالعها فيه، ولو خرجت من العدَّة وتزوجت غيرَه).
وفصَّل الحنابلة فقالوا: (يصح خلع المريض مرضَ الموت بما قل أو كثر من بدل؛ لأنه لو طلقها بغير عِوَض، لصح طلاقه، فلأن يطلِّقَها بعِوَض أَولى، فإن أوصى لها بمثل ميراثها أو أقل صح؛ لأنه لا تهمة في أنه أبانها ليعطيها ذلك، وإن أوصى لها بزيادة على ميراثها فللورثة منعُ الزائد عنها؛ لأنه اتهم في أنه قصد إيصال ذلك إليها، وحيث لم يكن له سبيلٌ إلى إيصاله إليها وهي زوجة، فطلَّقها على طريق الخُلْع ليوصل ذلك إليها، فمنع، كما لو أوصى لوارث)[5].
• واستدل أصحاب هذا الرأي بما رُوِي عن عبدالرحمن بن عوف أنه طلق زوجته فبتَّها، ثم مات وهي في عدتها، فورَّثها عثمان[6].
المذهب الثاني:
• ويرى أن الزَّوجة المختلعة لا ترثُ من زوجها إذا مات في العدة؛ لأنها رضِيَت بإبطال حقها بسؤال زوجها الطلاق في مرض موته، وغالب الأحوال أنها تكون عالِمةً بهذا المرض، وبما يترتَّبُ على الخُلْع من آثار، وبطلبها الطلاق أيضًا يكون الزَّوج غير متَّهم بالفرار من توريثها، وهو رأيُ الشافعية، ورواية عند الحنابلة.
وهو ما نصَّ عليه الشيرازي بقوله: (إن سألته الطلاق لم ترِثْ؛ لأنه غير متهم)[7].
كما أشار إليه ابن قدامة فقال: (وإن سألته الطلاق في مرضه فأجابها القاضي، ففيه روايتان، إحداهما: لا ترِثُه؛ لأنه ليس بفارٍّ)[8].
[1] حاشية ابن عابدين ج3 ص284.
[2] المغني؛ لابن قدامة ج8 ص223.
[3] المحلى؛ لابن حزم ج10 ص218.
[4] الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ج2 ص352 و353.
[5] المغني؛ لابن قدامة ج7 ص89.
[6] السنن للبيهقي ج7 ص 362.
[7] المهذب؛ للشيرازي ج2 ص25.
[8] المغني؛ لابن قدامة ج7 ص223.